فتاوى في الشبه والمشتبهات 01

سؤال: شبه لبعض العقلانيين:

الشبهة الأولى: يقول السائل هذه الشبهة أتى بها بعض العقلانيين يقولون: حديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر», ينافي عصمته؟

الجواب: هذا الحديث قد أكثر العقلانيون من إنكاره وهو في صحيح البخاري وصحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها, ومع ذلك يحاولون إنكاره والطعن فيه, وقد ألف شيخنا الإمـــــام الوادعـــــي رحمه الله رسالة في الرد على الطاعنين بحديث السحر فرحمه الله, والحديث صحيح لاريب فيه, في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها, ولا يتنافى مع مقام النبوة, فإنه لم يؤثر عليه من جهة الوحي صلى الله عليه وسلم, وإنما أثر عليه من جهة أمورٍ يعملها هو صلى الله عليه وسلم خاصة فيما يكون بينه وبين أهله, يُخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله, وأجمع أهل العلم أنه لا تأثير له من قِبل الوحي, لم يحصل فيه تأثير من قبل الوحي, ومثله مثل الامراض والأسقام التي ابتُلي بها نبينا صلى الله عليه وسلم, ولا إشكال في ذلك, وقد عافاه الله سبحانه وتعالى, وسرعان ما أزاله الله سبحانه وتعالى.

وأما الطعن بالحديث من أجل أنه من طريق هشام بن عروة, وهشام ابن عروة قد رُمي بالاختلاط, فهذا كلام غير صحيح، هشام بن عروة لم يحصل له اختلاط, وإنما بعد أن كبر سنه تغير شيء قليلًا, لم تختُلط عليه الأحاديث, وإنما تغير تغير كِبر السن, الذي هو موجود عند كثير من الناس, ولم يؤثر في حديثه, ولذلك دافع عنه الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال, لما تكلم عليه القطان, وقال هشامٌ قد اختلط, فقال الإمام الذهبي رحمه الله, هشام لم يختلط, وإنما تغير تغيرًا خفيفًا لـِكبر السن, ولكن أحسن الله عزائنا فيك يا ابن القطان أي أنه تحامل على هشام ابن عروة .

سؤال: الشبهة الثانية: قولهم: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧], فكيف يقع فيه السحر؟

الجواب: أولًا: العصمة من الناس المقصود بها: أن يعصمه منهم أن يوقعوا به ما يريدون من قتله صلى الله عليه وسلم, وإذهاب الدين, قال الله سبحانه وتعالى: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٧٤], وأما أن يُبتلى بشيء من الأذية فقد آذاه المشركون, «ووضعوا سلا الجزور على ظهره, وجاء عقبة بن أبي معيط وهو يصلي فخنقه خنقًا شديدًا حتى كاد يقتله, فجاء أبوبكر الصديق رضي الله عنه ودفعه عنه, وقال أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم», وهكذا أيضًا, آذاه أبو لهب ورماه بالحجارة حتى خرجت الدماء من كعبيه صلى الله عليه وسلم, وهكذا آذاه المشركون يوم أحد, «جرح في وجهه وكسرت رباعيته وشُج رأسه وسال الدم على وجهه صلى الله عليه وسلم», إذًا الأذية حاصله ولكن يعصمه الله سبحانه وتعالى أن ينالوا منه القتل, وأن ينالوا منه ما هموا به من قتله صلى الله عليه وسلم, فدفع الله سبحانه وتعالى عنه ذلك, فهذا لا ينافي أنه يقع له من الأذية من الكفار.

وأيضًا ما يتعلق بأكل الشاة المسمومة عصمه الله من الموت, ولكن لايزال فيها تأثيره في لهواته صلى الله عليه وسلم, قال أنس رضي الله عنه: "ولازلت أرى تأثير ذلك في لهواته صلى الله عليه وسلم من أثر ذلك السم".

عصمه الله من القتل, قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠].

جاء ذلك الرجل واخترط السيف وهو نائم صلى الله عليه وسلم, فقال من يعصمك مني فقال: «الله فسقط السيف من يده, فأخذ السيف صلى الله عليه وسلم وقال له من يعصمك مني, فقال كن خير آخذ فعفا عنه صلى الله عليه وسلم, فجعل الرجل يقول جئتكم من عند خير الناس».

سؤال: الشبهة الثالثة: ورد في الأثر: «أن شاة أكلت القرطاس الذي فيه! والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله», يقولون: وهذا يدل على أن القرآن نزل في قراطيس, وهذا يؤدي إلى ضياع بعضه؟

الجواب:  هذا الأمر لا أصل له من الصحة, أن شاة أكلت القرطاس الذي فيه الآية «والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة», وقد جاء ذكر ذلك عند ابن ماجه وأبي يعلى عن عائشة  رضي الله عنها، وفي إسناده عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس, وفيه نكارة, وقد كان صلى الله عليه وسلم يحفظه في صدره, يجمعه الله في صدره, ثم يقرأه على الناس, قال الله سبحانه وتعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٩], وقال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}  [القيامة: ١٧ – ١٩], فهذا ليس له أصل من الصحة.

والثابت في مسند أحمد وغيره, عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه: "كَأَيِّنْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ أَوْ كَأَيِّنْ تَعُدُّهَا؟ " قَالَ: قُلْتُ لَهُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً، فَقَالَ: «قَطُّ، لَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُعَادِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيهَا: {الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}», فنسخها الله, إذًا هي منسوخة من قبل الله سبحانه وتعالى, وليس لأن الشاة أكلت القرطاس, وأيضًا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى في أول الأمر عن كتابة الحديث حتى لا يختلط بالقرآن, أما القرآن كتب بعضه في العسب, وفي الأوراق, وما أشبه ذلك, الذي كتبه هم الصحابة رضي الله عنهم.

وحفظ الله القرآن بصدور العلماء, وبعد ذلك بجمع القرآن وكتابته, وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام: ٧], دليل على أنه لم ينزله في قراطيس.

سؤال: الشبهة الرابعة :يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم منع من كتابة الحديث في عهده, فلماذا كُــتب بعد, والقرآن أيضًا لماذا يكتب؟

الجواب: أما القرآن كتب من أجل حفظه, قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩], وأما منع النبي صلى الله عليه وسلم من كتابة الحديث في بداية الأمر حتى لا يختلط بالقرآن, فلما حفظ القرآن, وميز الصحابة رضي الله عنهم بين القرآن وبين السنة, أمر بالكتابة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أكتبوا لأبي شاة فكتبوا له ذلك الحديث الذي سمعه», وقال لعبد الله بن عَمرو: «اكتب مني فوالذي نفسي بيده لا يخرج مني إلا حق», وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما أحدٌ أحفظ مني لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب"، إذًا نُسخ ذلك؟ فصار مأذونًا بالكتابة .

سؤال: الشبهة الخامسة :قال الله سبحانه وتعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧], يدل على عدم الخلود في الجنة؟

الجواب: بين أهل العلم هذا, فالآيات المتكاثرة في القرآن في خلود المؤمنين في الجنة متكاثرة, وفي خلود الكافرين في النار الأدلة متواترة, وهذه الآية المراد بها الموحدين الذين أراد الله تعذيبهم ببعض الكبائر التي ارتكبوها, فإن الله سبحانه وتعالى استثناهم من السعادة: أي أنهم نالهم شيء من العذاب, فلم ينالوا السعادة من بداية أمرهم, كما نالها غيرهم, واستثناهم أيضًا في حق أصحاب النار, لأن مآلهم إلى الخروج, فاستثناهم من أهل النار, قال سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٦ – ١٠٧], فاستثنى {إلا ما شاء ربك} أي من الموحدين, أي أن مآلهم إلى الجنة فلا يخلدون في النار, وقال سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}  [هود: ١٠٨],