فتناوى مفرغة 1438412

 

 

بسم اللــــه الرحمـــــــــن الرحيم

 

 

إجابةٌ لمجموعةٍ من الأسئلة لشيخنا الفقيه أبي عبد الله محمد بن حزام حفظه اللّــــه ورعاه ونفع به الإســلام والمسلمين.

 

 

 الســـــــؤال الأول :- 

 

يقول السائل: ماحكم من يتلفظ بالطلاق ويدعي أنه أراد الإغاظة ولم ينو الطلاق ؟

 

 الإجــــــــــــابة :- 

 

كثيرٌ من أهل العلم يرى أن من تلفظ بالطلاق صريحاً فهو واقع عليه سواءٌ كان مازحاً أو جاداً ويستدلون بحديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة " وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم والذي يظهر لنا أن الحديث ضعيف- لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن المعتبر في الطلاق هي النية " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى" فمن كانت منه نية الطلاق وأراده وقعت منه - قصد بالطلاق مريداً وهو يريد الطلاق وقع منه، وسواءٌ أراد الطلاق من أجل أن يغيظ أو من أجل أن لايغيظ قد نوى الطلاق واراد الطلاق بنفسه يقع عليه - يقع عليه إذا أراد طلاق امرأته وأما أن يدعي أنه كان يريد الإغاظة ولم يرد الطلاق فهذا أمرٌ آخر زائد على مجرد نية إرادة الطلاق فإذا أراد الطلاق وقع ثم هل نوى بعد ذلك أمراً آخر كالإغاظة أوغير ذلك المرأة، بعض الناس يطلق الطلاق من أصله وهو لا يريد الطلاق من أصله - يريد التخويف أو الإغاظة كما ذكرت وهو لايريد الطلاق من أصله فهذا الصحيح فيه أنه لايقع لأنه لم ينو الطلاق ولا يريد الطلاق، فالصحيح من أقوال اهل العلم عدم وقوعه  ولكن لا يُصدق كل من ادعى هذا الأمر بل للقاضي أن يحكم بما ظهر، فكل إنسان سيدعي مثل هذه الدعاوى ومن علم منه التلاعب فيحكم بظاهر الحال - فظاهر الحال أنه طلاق صريح لا يُقبل فيه دعوى شخص ليس موثوقاً في دينه وإن كان رجلاً يخاف الله ويلتمس منه الخوف من الله سبحانه وتعالى أن يقع في الزنا أو فيما حرمه الله فتقبل دعواه إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى، والله المستعان.

 

 الســـــــؤال الثاني :- 

 

يقول السائل: هل طلاق الذي عنده حالة نفسية تفقده شعوره ولكنه يدري ما قاله وتلفظ به، فهل يقع طلاقه أم لا؟

 

 الإجــــــــــــابة :- 

 

الذين عندهم حالات نفسية أو كذلك مصاب بالعين أو بالسحر أو بالإكتئاب وغير ذلك ينقسمون إلى قسمين :-

 

منهم من يصل به الحال إلى أنه يتلفظ بالطلاق وهو لايريده كحال من تسبقه لسانه أو يتلفظ بالكلام من غير إراده أو جرَّه الإكتئاب الشديد إلى أن تلفظ بالطلاق وهو لايريده فهذا لايقع منه لأنه لا نية له " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى"

ومن اشتد به الأمر حتى تلفظ بالطلاق وهو يشعر به ويريده قاصداً له من قلبه وقع عليه الطلاق لأنه يملك نفسه وكان يستطيع أن يصبر وأن يتعالج وأن ينصرف عن هذه الأمور حتى يشفيه الله سبحانه تعالى - فالصحيح وقوعه، والله المستعان.

 

 الســـــــؤال الثالث :-

 

يقول السائل هل يصوم الأب شهرين إذا قتل ابنه ؟

 

 الإجــــــــــــابة :-

 

قتل العمد فيه التوبة والاستغفار ولا تصح الكفارة فيه، وإن قتل خطأً فعليه الكفارة، والكفارة كما أمر الله عز وجل، عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، واختلف العلماء إذا لم يستطع الصوم فهل ينتقل إلى الإطعام أم لا، لأن الله لم يذكر الإطعام في آية القتل، والأقرب هو الإطعام، أي ينتقل إلى الإطعام، إطعام ستين مسكينًا، لأن الله عز وجل جعل ذلك عدلًا لصيام الشهرين المتتابعين في كفارات أخرى، والأقرب أن يلتحق وهو قول الجمهور، وما يتعلق بإخراج بالمسجون، هذه ما هي فك رقاب، وإنما فك أسير، الرقبة المقصود بها عبد من العبيد.

 

 الســـــــؤال الرابع :-

 

يقول ما حكم استعمال الحبوب التي تقطع دم الحيض والنفاس؟

 

 الإجــــــــــــابة :-

 

الله عز وجل قدر هذا لمصلحة العباد، والحيض والنفاس كتبه الله عز وجل على بنات آدم، ولا شك أن له حكمة عظيمة، وهي خروج نجاسات من المرأة، فحبس هذه النجاسات يسبب لها أمراضا، وعلى هذا فلا تستخدم هذه الحبوب، حبوب منع الحيض، لأن ذلك يسبب لها الأضرار، ولا يوجد امرأة تستعمل ذلك إلا وتجد أضرارًا، منها ما تكون قليلة، ومنها ما تكون كثيرة، ووجود الضرر تتعلق به الحرمة، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقَول: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، ففي حالة وجود ضرر أكبر، كأن يخشى عليها إذا حملت من الموت أو الهلاك، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس باستخدام ذلك، لدفع أشد الضررين، لقول الله عز وجل: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة: ١٨٥، إذن ما تستخدم إلا لدفع ضرر أكبر، عند تيقن ذلك، أو يغلب على الظن بأقوال الأطباء الموثوقين، أنه يسبب لها الأضرار الشديدة، أو يسبب لها الموت، فعند ذلك تستخدم هذه الحبوب لدفع الضرر الأكبر، بعض النساء يستخدمنها مؤقتًا لسبب ما، مثلًا من أجل الصوم يستخدمنها، قبل شهر رمضان حتى لا يأتيها في شهر رمضان، وبعضهن يذهبن الحج والعمرة فيستخدمنها حتى لا تحيض، وهذا خلاف السنة وخلاف الأفضل، لأن هذا شيء كتبه الله عز وجل على بنات آدم، وقد ذكر الشرع الحكم الشرعي في ذلك، وهو أن المرأة تجتنب الطواف حتى تطهر وتطوف، وفي الصيام تفطر وتقضي، هذا الذي فعله نساء الصحابة رضوان الله عليهن، بقي هل يصل إلى حد التأثيم، متعلق بالضرر، إن حصل للمرأة ضرر من ذلك، تأثم، وإن لم يحصل ضرر من ذلك فأقل أحواله الكراهة، إذا لم يحصل ضرر في الشهر الواحد، فأقل أحواله أن يكون مكروهًا، والله المستعان.

 

 الســـــــؤال الخامس :-

 

يقول السائل: كم تمكث النفساء بعد نفاسها؟

 

 الإجــــــــــــابة :-

 

إلى أن ينقطع الدم وتطهر، فإذا كانت تطهر على ستين يومًا، فتنتظر ستين يومًا، وإذا كانت تطهر على عشرين يومًا، فتنتظر عشرين يومًا، ثم تصوم وتصلي وتحل لزوجها.

 

 الســـــــؤال السادس :- 

 

يقول ما حكم رفع اليدين والتأمين بعد الخطيب في يوم الجمعة؟

 

 الإجــــــــــــابة :-

 

النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه دعا في الخطب وأنه أطال ذلك، ولكن جاءت أدلة تشعر بالدعاء، أو بعضها فيها إشارة إلى ذلك، وبعضها صريح بالاستسقاء، وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ، هَلَكَ العِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ، «فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ»، استدلوا به على مشروعية التأمين للمستمع، لأنه دعا في الخطبة والناس رفعوا أيديهم يدعون، فهذا فيه مشروعية رفع اليدين والتأمين، فهل هذا خاص بالاستسقاء أم يشمل غيره كلما مر على الناس شدة ودعا فلا بأس؟،  الذي يظهر هو الثاني، كلما أصاب المسلمين شدة واحتاجوا إلى الدعاء دعا، ولا بأس بالتأمين ورفع اليدين، ويدل على ذلك أيضًا، أنه جاء من حديث سهل بن سعد عند الإمام أحمد وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع يديه في الخطبة يدعو) وفيه ضعف، لكن قد يصلح مع ما تقدم، وفي صحيح مسلم عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، قَالَ: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: «قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ»، قال بعضهم المقصود أنه يشير بها في وقت الخطبة، وقال بعضهم أنه يشير بها في الدعاء، وعلى كلٍ الدعاء في ذلك الوقت مستجاب، لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ»، وبعضهم حمل عليه ساعات يوم الجمعة، جاء حديث في مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» الساعة التي يستجاب فيها الدعاء، والحديث أعل، لكن استند عليه كثير من أهل العلم على أنه وقت دعاء، وقت يستجاب فيه الدعاء، ولو لم يصح الحديث، فيبقى حديث لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة، ولم أجد أحدًا من المتقدمين عد الدعاء في الخطبة من البدع، ما أحد عده من البدع في كتب أهل العلم، كتب الفقهاء والمحدثين، بل كلهم ينصون على أنه يستحب للخطيب أن يدعو، جميع فقهاء المذاهب، الحنابلة، والشافعية، والمالكية، والحنفية، كلهم يقولون يستحب الدعاء، بل بالغ الشافعية وقالوا ركن من أركان الخطبة، إذا لم يدعو فخطبته باطلة، وهذه مبالغة، إذًا الأقرب أنه لا بأس أن يدعا في الخطب، وهو وقت اجتماع للمسلمين يأمِّنون جميعًا، الدعاء مشروع، ولكن التطويل الزائد ليس من السنة، إذا حصل شيء من الدعاء لحاجة الناس، الناس في شدة، الناس يحتاجون إلى دعاء، لا بأس والله أعلم، وكذلك التأمين، ما هنالك أحد من العلماء قال لا يؤمن، أقصد من أئمة المذاهب، كلهم على مشروعية التأمين، والله أعلم، جاء في الاستسقاء أنهم يؤمنون معه، وعليه فغيره كذلك.

        

 

       والحمـــــد للّه رب الـعالـمين