يـقـول الأخ الـسـائـل :-
أيهما أفضل لطالب العلم, أن يكون ذا مال, أو يكون فقيرًا, والمال قد يستعين به في الدعوة؟
الإجـــــــــابة :-
قال شيخنا وفقه الله:
الأفضل لطالب العلم أن يقبل على العلم, وأن يسأل الله عز وجل القصد في الغني والفقر, ويسأل الله عز وجل أن ييسر له ما فيه الخير, فربما شغله المال عن طلب العلم, وربما الفقر يتعبه في طلب العلم, فنسأل القصد في الغنى والفقر, كما سأله النبي صلى الله عليه وسلم, فمن دعائه هذا الدعاء العظيم, عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ، وَمَا صَلَاةٌ أَوْجَزَ فِيهَا فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ خَفَّفْتَ، قَالَ: «مَا عَلَيَّ فِي ذَلِكَ لَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ فَتَبِعَهُ هُوَ أَبُو عَطَاءٍ فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ فَرَجَعَ فَجَاءَ فَأَخْبَرَ: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحُكْمِ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَبِيدُ وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْفَدُ وَلَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ النَّظَرَ إِلَى لَذَّةِ وَجْهِكَ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» أخرجه النسائي في سننه, ومن أقبل على العلم بنية خالصة صادقة مع الله عز وجل, فإن الله عز وجل ما يضيعه, الدنيا حقيرة, فكيف بإنسان فرغ نفسه لله عز وجل, صادق مع الله عز وجل, يريد الخير لنفسه وللمسلمين, يعتبر مجاهدًا في سبيل الله عز وجل, ويعتبر نافعًا لنفسه وللأمة, فكيف يضيع الله عز وجل من كان هذا شأنه, فإن الله عز وجل يسخر له الدنيا, تأتي إليه راغمة, ما دام مخلصًا صادقًا مع الله عز وجل, فلا تجعل في قلبك للدنيا همًا, فإن جعلت لها الهموم في قلبك, فهذا باب من أبواب الشيطان, قال الله عز وجل: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }, إذا جعلت للدنيا همًا في قلبك, ذهبت عليك, وإذا جعلت العلم سلمًا للدنيا, صار العلم وبالًا عليك, إذا طلبت العلم من أجل الدنيا, قال الله عز وجل: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}, وقال الله عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}, والعياذ بالله, ومن صدق مع الله عز وجل, وأخلص مع الله عز وجل, يسر الله له أموره, هو يحب العلم, ويحب خدمة الدين, والدعوة إلى الله عز وجل, تجد أموره تتيسر, تتيسر له الكتب, ويطلب العلم, ثم ييسر الله عز وجل له مأكله ومشربه, ثم يتيسر له الزواج, ثم يتيسر له المسكن, يعيش أحسن مما يعيشه كثير من الأغنياء, وهو في قلبه همة العلم, ما يجعل للدنيا هما, وذاك الذي قال من أين الراتب, ومن أين الزوجة, ومن أين المسكن, يترك طلب العلم, ويقول هذا ضياع, يذهب يشتغل يكدح سنة, سنتين, ثلاث, جمعت حق الزوجة؟, قال ما قد استطعت, وذاك وهو في المسجد, يجعل الله عز وجل له القبول في قلوب الناس, يأتيه ربما أكثر من شخص يحب أن يزوجه, لأنه حافظ للقرآن, حافظ للسنة, ربما يتمناه كثير من الناس, الله عز وجل هو الذي يسوق هذه الأمور, والقصد أن الإنسان لا يجعل للدنيا همًا, فإن احتاج الإنسان إلى المال, يستطيع أن يعمل يوما, يومين, ثلاث, لسنا نمنع هذا الأمر, بل هذا الأمر, أمر طيب يتعفف عن الناس, ولا ينتظر مساعدة من أحد, متى ما جاءت له الحاجة, عمل يوما, يومين, ثلاث, غطى حاجته الضرورية, أخذ كتابه, أخذ ثوبه الذي يريده, ويرجع يطلب العلم, هذا إذا اضطر به الأمر إلى هذا الشيء, فالدنيا حقيرة, وهي أبعد ممن نافس فيها, تبتعد منه, ومن لم يجعل لها همًا, يسوقها الله عز وجل إليه, خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ، قُلْتُ: مَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» أخرجه ابن ماجه وغيره, وانظروا إلى من كان صادقًا مخلصًا في العلم, ما يدنس نفسه, ليس مستعدًا أن يتعرض للمسألة عند أحد من التجار, ولا حتى يعرض له تعريضًا, وكثير ممن يشغل نفسه بالدنيا, لا يزال يعرض نفسه, ويعرض في الكلام عند ذاك الغني, ويجالس ذاك الغني, ويأتي بالهدية إلى ذلك الشخص, إلى ذاك المسؤول, ويتقرب إلي ذاك المسؤول, ويتقرب بالكلام, وذاك جالس مع مصحفه, مع الأحاديث النبوية في المسجد, ولا هو يعرف أين المسؤول, ولا أين القاضي, فرق بين هذا وهذا, كما بين السماء والأرض, فمن ظن بربه أنه سيضيع من كان هذا حاله, فقد ظن بالله ظن السوء, فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه, والدنيا كما سمعت, كلما اشتدت على طالب العلم, يذهب ويعمل له اليوم, أو يومين, أو ثلاثة, يغطي حاجته, ثم يرجع إلى طلب العلم, هذا إذا اضطره الأمر إلى هذا الشيء, وإذا لم يضطره, وهذا هو حال طلاب العلم, ييسر الله لهم أمورهم, فيقبل على العلم, وسيحتاجه الناس, كم الناس الآن الذين يتمنون الراتب, جميع الناس, هكذا, إلا من كان قد أغناه الله بما هو أعلى من ذلك, لكن يتمنون أن يكون هذا معه راتب, وهذا معه البيت, والمسكن, وطالب العلم ربما إذا صار قد استفاد, وصار ممن ينفع الله عز وجل به, يأتون من أماكن شتى, كل يترجاه تأتي عندنا, معك الدار جاهز, لا بإجار, ولا بشيء, الدار جاهز, مجهز مفروش, نحن ما نقول هذه الأشياء, إلا من أجل أن يعرف الأخوة أن هذه الأمور حقيرة, ييسرها الله عز وجل, ومن نافس عليها ابتعدت عليه, ولا يجعل هذه الأمور طالب العلم مقصداً, لا يجعلها همة, لا يجعلها في قلبه همة, ولا يجعلها في قلبه غاية, ولكن انظروا كم من طالب العلم يأتيه أناس متعددون, من بلدان متفرقة, من اليمن, ومن خارج اليمن, يريدون فقط يأتي يدرسهم ويعلمهم, ويستعدون له بالدار, ويستعدون له بالراتب الشهري, يستعدون له بكل شيء, هذه أمور بيد الله عز وجل, فأقبل على طلب العلم, ولا تجعل العلم سلمًا لهذه الأمور, ولا تفكر فيها, فكر أن تنفع نفسك, وتنفع المسلمين, والله المستعان, والناس إلا من رحم الله عز وجل يظنون أن طالب العلم ضيع نفسه, وربما كثير منهم هم الذين ضيعوا أنفسهم, الذي أقبل على الدار الآخرة, على العلم الشرعي, أقبل على نفع نفسه والمسلمين, هذا ما ضيع نفسه, هذا يبني الدار الآخرة, هذا يقدم للقاء الله عز وجل, وكثير من الناس يظن أن هؤلاء الناس ضيعوا أنفسهم, وذاك الذي من أول يومه إلى آخره, وربما قصر في الجماعات, وقصر في الصلوات, هذا رجل, هذا رجل, هذا يدخل المال, أو سافر من أجل العمل, ويبقى السنة, والسنتين, والثلاث, وما يأتي إلا ما كتب له, ما يأتي معه إلى البيت, إلا نفقة السنة, نفقة السنين التي ذهبت عليه, فنعم, احتقار عند كثير من الناس لطلبة العلم, ناتج عن جهل كثير منهم, والله المستعان, وإلا فطالب العلم, يسعى في أخذ وريثة النبي صلى الله عليه وسلم, أنت تسعى في الدنيا والمال, وذاك يسعى في أخذ وريثة النبي صلى الله عليه وسلم, « وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» أخرجه أبو داود وغيره عن أبي الدرداء رضي الله عنه, فعلى طالب العلم أن يسعى في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم, قيل مر أحد السلف على السوق فقال لهم أنتم تتنافسون على الدنيا, وميراث النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد يقسم, فذهبوا إلى المسجد فإذا به حلقات علم, فعلموا أنه قصد العلم, العلم هو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم, فاحمد الله يا طالب العلم على ما أنت عليه من الخير, واسأل الله عز وجل أن يثبتك على ذلك, أين ذهبت الملوك والأموال الطائلة, أين ملك قارون, الذي ما يستطيعوا أن يأخذوا مفاتيح خزائنه, كله ذهب, ما أخذ منه شيء, أين كنوز الملوك, كلها ذهبت, ما سيأخذون معهم إلا العمل الصالح, في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ", وأيضًا من يسر الله عز وجل له ولده يطلب العلم, يكون عونًا له, فهذه نعمة عليه كما في هذا الحديث, (أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ), فاحمد الله عز وجل إذا كان ولدك أقبل على طلب العلم النافع, فاحمد الله عز وجل على هذه النعمة, وأعنه إذا استطعت بدعائك وبمالك وبنفسك, وهذا خير عظيم, يأت يوم من الأيام والناس يرجعون إليه يسألونه عن أمور دينهم, يستفتونه فيما أشكل عليهم في أمور دينهم, فلك أجر ولدك, لك أجر ولدك, بإذن الله عز وجل, والله المستعان.