بحث يتعلق بوضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الركوع
ذهب بعض أهل العلم إلى وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الركوع، واستدلوا بعموم حديث سهل بن سعد المتقدم، وبحديث وائل بن حجر عند النسائي (2/125)، قال: رأيت النبي ﷺ إذا كان قائمًا في الصلاة قبض بيمينه على شماله.
واستدلوا بحديث أبي حميد وقد تقدم : «حتى يعود كل فقار إلى مكانه»، وبحديث رفاعة بن رافع عند أحمد، وفيه: «حتى ترجع العظام إلى مفاصلها»، وقد تقدم أيضًا في أول الباب، وهذا القول هو رواية عن أحمد، فقد سأله ولده صالح عن ذلك، فقال: أرجو أن يكون الأمر واسعًا، وهذا القول اختاره الشيخ ابن إبراهيم، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، وغيرهم رحمة الله عليهم.
وذهب أحمد في رواية، وهو مذهب الشافعية، وعزاه البسام في توضيح الأحكام لجمهور العلماء، إلى إرسال اليدين بعد الركوع، وحجتهم في ذلك عدم تنصيص أحد من الصحابة على ذلك مع كثرة من وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من وصف الصلاة بالتفصيل، وذكر وضع اليمنى على اليسرى، يذكره قبل الركوع، ولا يذكره بعد الركوع، قالوا: والعموم الذي في الأحاديث المذكورة لا يصلح أن يحمل أيضًا على القيام بعد الركوع بعد وجود أحاديث مبينة مفصلة لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيها ذلك بعد الركوع، وقد جاء ذلك من حديث وائل بن حجر نفسه عند أبي داود (726)، وغيره بإسناد صحيح، قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله ﷺ، فقام، فاستقبل القبلة، فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ووضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من يديه...، الحديث.
فأنت ترى أنَّ وائل بن حجر ذكر موضع اليدين قبل الركوع، وأثناء الركوع، وأثناء السجود، وسكت على حالهما بعد الركوع مما يدل على أنه ليس لهما حالة تخالف ما عليه هيئة الإنسان قبل الصلاة، وإلا لذكرها، وكذلك يدل على أن مراده بالحديث: «إذا كان قائمًا»، أي: قبل الركوع، بدلالة حديثه هذا الذي فصَّل فيه ما أجمله بذلك الحديث.
وأما استدلالهم بحديث: «حتى يعود كل فقار مكانه»، وبحديث: «حتى ترجع العظام إلى مفاصلها»، فليس لهم فيهما مأخذ؛ لأنَّ المراد منهما تمام الاطمئنان بعد الركوع، والاعتدال حتى يعود عظام الظهر إلى حاله السابق قبل الركوع، وكيف يكون المراد منهما أن يضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع، ولم يأتِ ذلك قبل الركوع في حديث المسيء في صلاته من جميع طرقه.
وبعد هذا البحث؛ فالأقرب عندي إلى الصواب قول من قال بالإرسال بعد الركوع، وهو ترجيح العلامة الألباني واختيار شيخنا مقبل الوادعي رحمة الله عليهما، والله أعلم.
وانظر: مسائل أحمد لابنه صالح (2/205)، الفروع (1/433)، شرح المهذب (3/417)، الشرح الممتع (3/146)، توضيح الأحكام (2/182)، غاية المرام (4/258).