سؤال: رواية أبي إسحاق السَبِيعي والأعمش بالعنعنة, هل ترد مطلقًا, أم أن هناك استثناءً, في بعض مشايخهم؟
الجواب: بعض المحدثين خص قبول عنعنة الأعمش, عن بعض الرواة الذين أكثر عنهم, كأبي صالح السمان, وأبي وائل شقيق بن سلمة, وآخرين, وأشار إلى هذا الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال, وأبو إسحاق السـَبِيعي لم نجد تنصيصًا لبعض مشايخه في القبول, وقد جاء عن الإمـــــام احمد رحمه الله أنه سُئل عن رواية الأعمش متى تُصطاد له الألفاظ أي: يتحرى في قوله حدثنا, وقوله عن, قال ذلك يضيق.
أي هذا الأمر يُضيق علينا, لأن الأعمش حافظ كبير, الأعمش حافظ كبير ورواياته قد تصل إلى الآلاف, وهو عامة رواياته بالعنعنة, فلو دلس في بعض الأحاديث لكانت قليلة جدًا, في سعة ما روى, ولذلك قبل أكثر المحدثين عنعنة الأعمش.
وأبو إسحاق السبيعي أيضًا أكثر من الرواية إلا أنه أقل من الأعمش, وكذلك تجاوز في عنعنته عدد من أهل العلم, وينبغي في هذين الإمامين, أن يُنظر في روايتهما, فإن وجد في بعض روايتهما زيادات, بينهم وبين مشايخهم فهذا يُشعر بأنه قد حصل التدليس, أو وجد في رواياتهم نكارة ومخالفة للأحاديث الصحيحة, فيخشى أيضًا أنه قد حصل التدليس, فإن لم يحصل هذا, ولا هذا فلا يتجرأ الإنسان على تضعيف حديثٍ, بعنعنة هذين الإمامين, ولم يسبق بتضعيف الحديث, من إمام من الأئمة, وعليه فيحكم له بالصحة, وقد مشى على هذا الإمـــــام الألباني رحمه الله, فقد حكم على أحاديث بالصحة, وفيها العنعنة من هذين الإمـــــامين, ولم يُسبق من أحد من الأئمة أعله بذلك, وكذلك شيخنا مقبل بن هادي رحمه الله, صحح أحاديث في الصحيح المسند متعددة, بل كثيرة من رواية هذين الإمامين وهي بالعنعنة, إذًا تُقبل روايتهم, والسبب في ذلك أن الأئمة من أجل حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم تجاوزا في بعض المدلسين المكثرين, أكثروا من الرواية وتدليسهم قليل, فيتجاوزون في ذلك حتى تظهر القرائن في التدليس, وهذا عليه صنيعهم وأن لم يُصرح كثيرٌ من الأئمة بذلك إلا أن صنيعهم يدل على هذا الأمر .
وقد أشار إلى ذلك العلائي وابن حجر رحمة الله عليهما في طبقات المدلسين .
سؤال: إذا اختلف إمامان في بعض الرواة, هل سمع من شيخه أم لا, فبعضهم يثبت سماعه, وبعضهم ينفي, فأيهما يقدم قوله؟
الجواب: يُقدم قول المثبت ولو كان واحدًا, لأن المثبت عنده زيادة علم, والمثبت مقدمٌ على النافي, مالم يظهر لنا أن الذي أثبت اعتمد على مالا يصح الاعتماد عليه, مثلًا اعتمد على رواية من طريق راوٍ صرح فيها بالسماع, وعامة المحدثين والرواة لم يصرحوا بالسماع, فاعتمد على تلك الرواية بإثبات السماع, فإذا علمنا ذلك لم نعتمد على قوله في الإثبات, مثال ذلك عامة المحدثين ينفون سماع الحسن من عمران بن حصين, بينما أثبته الحاكم, وكأنه اعتمد على بعض الأسانيد التي فيها التصريح بالسماع, وهي خطأ من بعض الرواة.
إذا كان الذي أثبت السماع إنما اعتمد فيها على المعاصرة والإدراك, يقول قد أدرك عمره, ما مات فلان إلا وقد بلغ العشرين, أو نحو ذلك, هذا يُسمى معاصرة, فهذه المعاصرة مظنة السماع, فإن وجد من يجزم بعدم السماع فهو مقدم, وإن لم يوجد من يجزم بعدم السماع إنما يقولون مثلًا لا يُعلم سمع منه أم لا. لا يُدرى أسمع منه أو لا. إذًا نعتمد على المعاصرة, فالمعاصرة مظنة للسماع, لاسيما إذا كانوا في بلدٍ واحد, إذًا نعتمد على المعاصرة في مثل هذه الصورة, ونثبت اتصال السند, إلا أن يكون الراوي مدلسًا, فنقول الإسناد صحيح, إذا توفرت شروط الصحة, وأما مع وجود من يَجزم بعدم السماع فنقدم الجزم, يقول جماعة من الأئمة لم يسمع منه جزموا بذلك, فالجزم مقدم على قوله أدركه وعاصره .
سؤال: هل يُعتمد على توثيق ابن حبان وغيره من المتساهلين في الرواة, إذا لم يوجد في الراوي إلا قولهم؟
الجواب: لا يعتمد على توثيقهم, إذا لم يوجد في الراوي إلا قول من يتساهل في التوثيق كابن حبان والعجلي وابن شاهين, فهؤلاء لا يُعتمد على توثيقهم, والثقة عند ابن حبان من لم يُعلم بجرح وهذا توسع, ولذلك أنكر العلماء ولم يعتمدوا على توثيق ابن حبان, لكن قد يكون مع القرائن يُعتمد عليه, مع قرائن أخرى, فمثلًا يروي عنه جماعة من الرواة كالخمسة والسبعة وأكثر من ذلك, وهم ثقات, وبعضهم أئمة, وزد على ذلك توثيق ابن حبان, ثم نجد أيضًا تصحيح ابن خزيمة للحديث, أو تصحيح الترمذي, فهذه القرائن تُقوي من حال الراوي, ولا بأس بعد ذلك أن يُحكم له بأنه مقبول الرواية, حسن أو صحيح على حسب القرائن, ومما ينبه عليه في هذا الموضع, أن ابن حبان بعض توثيقاته معتمدة, وقد أشار الإمـام المعلمي رحمه الله إلى هذه المسألة, وهو أنه يقول تتبع توثيقات ابن حبان في كتابه فوجدها على أقسام, قسم يكون من مشايخه قد عرفهم وسبرهم بنفسه فيحكم عليهم بالثقة ويُصرح بذلك, يقول فلان ابن فلان أدركناه, وروينا عنه وهو ثقة وكان صدوقًا, فهذا يُعتمد عليه لأنه قد أدركه ولم يحكم به على القاعدة التي حُكم عليه بها بالتساهل, "أن الثقة من لم يُعلم بجرح", "المسلم الذي لم يُجرح هو ثقة", لكن هذا قد علمه, قد أدركه وسمع منه, فهذا يُقبل بتوثيقه فيه, ونوعٌ آخر أيضًا ذكره المعلمي في طبقة مشايخ مشايخه, ولكن يُصرح بألفاظٍ يدل على معرفته لحالهم, كأن يقول فيه متقن الحديث, مستقيم الحديث, أو يصرح بالتوثيق يقول ثقة في الحديث, فهذا القسم أيضًا مقبول عند المحدثين, وأما مجرد ذكره في كتابه الثقات, وهو أكثر الكتاب, يذكر اسمه ويقول روى عن فلان, وروى عنه فلان, ويسكت عليه, هذا هو الذي حصل فيه التساهل الكثير .
سؤال: يُذكر عن بعض الرواة أنه ضعيف في روايته عن غير أهل بلده, وله مشايخ كثر, فلا يميز من هو, من أهل بلده فكيف يحكم على الحديث؟
الجواب: عامة الرواة يُنسبون, وما أظنك ستجدُ راويًا إلا وقد نسب, فتستطيع أن تعلم من كتب الأنساب, تقول له فلان ابن فلان ثم ينسب, يقال الغساني, البصري, الكوفي, العنسي, العيشي, ينسب فتراجع البلد وتميز من أي بلدٍ هو وقد اهتم العلماء اهتمامًا بالغًا بالأنساب, وألفوا فيه الكتب الكثيرة, سموها الأنساب, بل حتى الكتب المشهورة بين أيدي طلبة العلم, كالتهذيب يهتم أيضا بالأنساب, فهذا أمرٌ مخدومٌ, خدمه أهل العلم وأمره سهل .
سؤال: رجلٌ ذكر بجرح أو تعديل, ولم يذكر في مشايخ من أنزل منه, ولا في تلاميذ من هو أعلى منه, فهل نجزم بأن هذا الرجل هو نفسه, الذي تكلم فيه, وكيف يُحكم على الحديث؟
الجواب: لابد أن يتحرى الإنسان قبل أن ينزل ذلك الكلام عليه, يحتاج إلى أن يتأكد أن الكلام هو على الراوي بنفسه, ببحث مزيد في كتب التراجم, وبالنظر إلى طبقة تلاميذه, وطبقة مشايخه, أهم في نفس الطبقة أم لا. فإذا اطمأنت نفسه إلى أنه ليس في طبقته شخصٌ آخر, يتسمى باسمه, فلا بأس أن ينزل ذلك الكلام عليه, وأما إذا لم يطمئن لذلك فيتوقف, حتى يتبين له ذلك بالمزيد من النظر .
سؤال: هل نصَ أهلُ الحديث والعلل على كل أوهام الرواة, وإذا قيل في راوٍ له أوهام, ولم تذكر أوهامه, فكيف يعرف أن ذلك الحديث من أوهامه؟
الجواب: نص الأئمة على أوهام بعض الرواة, ولم يلتزموا على أن ينصوا على جميع الأوهام, إنما هم يذكرون بعض ما وقفوا عليه, ولم يلتزموا استيعاب الأوهام كلها, وأما كيف يُعرف أن هذا الحديث من أوهامه, فيعرف بالتفرد, حديث تفرد به, لم يرو أبدًا ذلك الحديث, ولامعناه إلا من تلك الطريق, فهذا يُنكره الحفاظ, يقولون تفرد به من لا يحتمل تفرده, أو يوجد مخالفة فهذا الراوي جعل الحديث مثلًا موصولًا عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها, وجميع الثقات يروونه عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يجعل الأمر عندنا واضحًا, أنه قد وهم في ذلك حيث خالفه الثقات .
سؤال: هل كل شاهد لحديث ضعيف يقوى به؟
الجواب: إن كان ذلك الشاهد بمعناه, وكان برتبة الضعف المنجبر, لأن الضعيف قسمان :
القسم الأول: ضعفٌ شديد. كأن يكوم راويه متروكًا أو شديدًا الضعف, وصف بأنه ليس بثقة, أو أنه ليس بشيء, أو قيل عنه مردود الحديث, مطرح الحديث, أو قيل فيه منكر الحديث, متروك, هذه الألفاظ شديدة فيكون الحديث ضعفه شديد, لا ينجبر, ولا يتقوى بطريقٍ أخرى .
القسم الثاني: ضعف منجبر. وهو ما كان في اسناه ضعف يسير, فيه إرسال, أو مجهول حال, أو رجلٌ ضعيف, بسبب سوء حفظه, ضعيف بسبب اختلاطه, ولم تغلب المنكرات على حديثه, وما أشبه ذلك.