سؤال: من لم يستطع استعمال الماء, أيتوضأ ويتيمم, أم يكتفي بالتيمم، إذا كان محدثًا حدثًا أكبر؟
الجواب: بعضُ أهل العلم يقول يتيمم ويكتفي به, وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يغسل ما استطاع إن كان قادرًا على ذلك, فإن كان قادرًا على غسل بعض جسمه فيغسل ما استطاع من جسمه, ويتيمم لما بقي وهذا أقرب, لقول الله عز وجل : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦], وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمرٍ فاتوا منه ما استطعتم», فيتوضأ, ويغسل أيضًا إذا استطاع أن يغسل رجليه إلى ركبتيه غسل, وإذا استطاع أن يرفع غسل يديه إلى المنكبين, أو العضد فعل, ثم يتيمم لما بقي, وهذا القول اختاره الشوكاني رحمه الله وشيخنا الوادعي رحمه الله وغيرهما.
سؤال: من خرج منه الريح هل يُعيد الاستنجاء والوضوء أم الوضوء فقط؟
الجواب: لا. ليس عليه استنجاء ما عليه إلا الوضوء, «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ», وأما الاستنجاء إنما هو لإزالة النجاسة من البول أو الغائط, أو حتى لو أحدث فشعر بخروج رطوبة منه مع حدثه, فنعم يجب عليه الاستنجاء, إذا شعر بخروج نجاسة من نفسه, وأما بدون خروج النجاسة, فعليه الوضوء فقط, والاستنجاء قبل كل وضوء ليس لازمًا, كما يظنه بعض الناس, إنما يجب عليه الوضوء فقط, أكثرهم يسمعونه على جهلهم ما يعلمون الحكم, فمن عُلم الحكم وأصر، وصار يتعبد لله بهذا العمل, نعم يصل إلى حد البدعة, لكن كثير من الناس يفعلونه على جهل, ما يعلم الحكم، فإذا عاند وتعبد لله بهذا العمل فهي بدعة .
سؤال: إذا كان رجلٌ على سفرٍ في صحراء, أو في مكان بعيد عن الماء, ولديه قليل من الماء للشرب, أيستخدمه لوضوئه, أم يتركه لشربه خشية أن يهلك من العطش؟
الجواب: لاشك أنه في هذه الحالة يُبقي الماء لشربه, قال الله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥], وقال عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥], وقال عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨], فيتيمم ويُبقي الماء لشربه, ويجب عليه ذلك, لا يجوز له أن يُسرف بالماء في هذا الحال, أو أن يتوضأ به, ثم يُعرض نفسه للهلاك.
سؤال: إذا كان عندك ماء يكفي للشرب, ومر بك كلب عطشان هل تسقيه, أم تبقيه لوضوئك, وكذا إن كان الرجل كافرًا؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم : «ذكر قصة الرجل الذي سقى الكلب فدخل الجنة فشكر الله له فغفر له», فيُسقي الكلب, وإذا جاء وقت الصلاة وليس عنده ماء تيمم ولا بأس عليه, وإن جاء وقت الصلاة وقد حصل على الماء توضأ, وهذا من الرحمة بالحيوان, كذلك الكافر الذي لا يحارب المسلمين من أهل الذمة يُسقى, ولعل هذا يكون تأليفًا له على الإســلام, ودعوة للإسلام, وأما المحارب الذي يحارب الدين, هو يستحق أن يقتل, فيدعى إلى الإسلام, وإن لم يسلم فيقتل, والمحارب ما يُتصور وجوده بين أوساط المسلمين, في الشرع إلا أن يكون من أهل الذمة, وإلا فالشرع لا يُبقي الكافر بين أظهر المسلمين, إلا على جزية.
سؤال: ما حكم من توضأ, ولم يرتب أعضاء الوضوء؟
الجواب: الصحيح أن ترتيب أعضاء الوضوء من واجبات وأركان الوضوء, لأن الله عز وجل أمر بالوضوء, أن يكون على ذلك الترتيب, يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦], فرتب الله عز وجل وأدخل ممسوحًا بين مغسولات, فهذا يدل على أن الترتيب مقصود, فإدخال الممسوح بين المغسولات يدل على أن الترتيب مأمورٌ به ومقصود, فإذا خالف بين ذلك الترتيب, فالصحيح بطلان الوضوء, وهو مذهب الإمـام الشافعي وأحمد رحمة الله عليهم, وهو الصحيح في المسألة, فالذي لم يرتب لا يصح وضوؤه, فإن رتب الوجه واليدين, وخالف بين الرأس والرجلين, أعاد التي خالف بينهما فقط, فيبقى عليه أن يعيد مسح الرأس ثم يغسل رجليه, وإذا نسي عضوًا من الأعضاء فيرجع إلى العضو الذي نسيه, فيفعله ثم يأتي بالذي بعده, فإذا نسي مسح رأسه, يرجع ويمسح رأسه, ثم يغسل رجليه من أجل الترتيب, حتى ولو كان على صلاته وذكر أنه لم يرتب, فيذهب ويعيد الوضوء .
سؤال: ما الحكم إذا نسي الاستنشاق؟
الجواب: الصحيح أنه يُعيد الاستنشاق, ويعيد أيضًا الوضوء, لأن الاستنشاق في أول الوضوء, وهو من الواجبات, فيجب عليه إعادة الوضوء كاملا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاستنشاق: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر», وفي رواية لمسلم, «فليستنشق بمنخريه من الماء», فالأصح أن الاستنشاق من الواجبات وإذا نسيه أعاد الوضوء كاملًا .
سؤال: رجلٌ يتيمم بسبب البرد والماء موجود فما الحكم؟
الجواب: إذا كان البرد يضر به سواءٌ استخدم الماء باردًا أو ساخنًا, فلا بأس أن ينتقل إلى التيمم, وأما إن كان يستطيع أن يستخدمه ساخنًا, ولا يتسبب عليه بالمرض أو الأذى, فلا يجوز له أن يتيمم, وعليه أن يسخن الماء ويتوضأ, أو يغتسل على حسب حاجته, إذًا لا يكون التيمم إلا عند وجود الضرر باستعمال الماء, أو ما عنده قدرة على تسخينه, فلا بأس أن يتيمم, لقول الله عز وجل: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣],ولقول الله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥], ولقول الله عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥], ولقول الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] .
سؤال: هل المذي الذي ينزل من الإنسان بدون قصد, هل هو نجس, إذا وقع في الملابس, وهل ينتقض الوضوء؟
الجواب: المذي هو الذي يخرج من الإنسان عند الشهوة, وعند أن يفكر بالشهوة, أو عند أن يداعب امرأته, وهو نجس بالإجماع, وفيه الوضوء, لحديث علي رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «اغسل ذكرك وتوضأ», وفي حديث سهل بن حنيف سأل عن ذلك يصيب الثوب قال: «انضحه بالماء», في سنن الترمذي وابن ماجة, إذًا ينقض الوضوء, وهو نجس أيضًا بالإجماع .
سؤال: سجدات القرآن هل بعدها تسليم؟
الجواب: سجدات القرآن لا تعتبر صلاة؛ فلا تحتاج إلى تكبيرة إحرام, ولا تحتاج إلى تسليم, يسجد ثم يقوم بدون تسليم, حتى قال بعض أهل العلم يجوز أن يسجدها على غير طهارة؛ لأنها ليست صلاة, فيجوز أن يسجدها على غير طهارة، وهذا هو الصحيح.
سؤال: هل يجزئ الغسل عن الوضوء للصلاة, سواء كان الغسل غسلًا واجبًا, أو غسل نظافة؟
الجواب: الغسل الواجب إذا نوى به صاحبه الطهارة, كغسل الجنابة والحيض والنفاس, أجزأه عن الوضوء, وأما غسل الجمعة, وغسل النظافة, وغسل التبريد فلا يجزئ عن الوضوء, إلا إذا غسل أعضاء الوضوء بنية الطهارة، وأما إذا لم يغسل أعضاء الوضوء بنية الوضوء, فلا يصح ولا يجزئ, لا بد أن يوافق الغسل, غسل يوم الجمعة, والنظافة والتبريد، لابد أن ينوي به الوضوء أيضًا, لأن وجوب غسل الجمعة, من أجل إزالة الروائح والعرق, وليس لرفع الحدث, فإنه يلزمه وإن كان غير محدث وجوبه, كما تبين من الأحاديث لرفع الأذى والعرق, فيحتاج معه إلى الوضوء, ولذلك الذي ما يستطيع الغسل يوم الجمعة, ما يرجع إلى التيمم, يجب عليه الوضوء, الذي ما يستطيع الغسل يوم الجمعة يجب عليه الوضوء, ما يُقال يتيمم, يُقال يجب عليه الوضوء, والذي ما يستطيع الغسل في الجنابة والحيض والنفاس, يجب عليه التيمم لرفع الحدث, والغسل الكامل الواجب أن يُصيب الماء جميع الجسد, والغسل الكامل المستحب على الصفة التي إغتسلها النبي صلى الله عليه وسلم .
سؤال: هل الاستياك يكون باليمنى أم بالشمال؟
الجواب: الأقرب أنه يستاك بيمينه, كان النبي صلى الله عليه وسلم: «يعجبه التيمن في تنعله وترجله وتطهره وفي شأنه كله», وهذا من الطهور. تطهير الفم.
وأيضًا لو استاك بشماله لنقل, لأنه يخالف الأصل, الأصل أن الإنسان يأخذ السواك بيمينه فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم: «يتحرى بالشمال لنقل ذلك».
مع محافظته صلى الله عليه وسلم على السواك, وحبه للسواك, ولم ينقل أنه استاك بشماله, فالأقرب أنه يستاك بيمينه, وأما قول من قال إن الاستياك لإزالة الأذى من الفم, فإزالة الأذى يستخدم لها الشمال, فالحديث: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب»، دل على أنه طهارة وليس مجرد إزالة أذى, ولأن الأذى فيه ليس مستقذرًا, بقايا أكل, شيء يسير, ليس مستقذرًا, كالمخاط والبول والغائط, يستخدم بالشمال, أما بقايا الأكل ليس متسقذرًا.
سؤال: ما حكم قراءة القرآن بغير طهارة؟
الجواب: أما مسالة قراءة القرآن فالصحيح فيها أنه يصح أن يقرأه, ولو لم يكن طاهرًا, بل حتى ولو كان جنبًا, لحديث عائشة في مسلم «كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه», وأما حديث: «وأما الجنب فلا يقرأ ولا آية» فحديث ضعيف، وكذلك جاء عن علي رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم: «يقرئنا القرآن مالم يكن جنبًا» حديث ضعيف, والصحيح مشروعية قراءة القرآن حتى للمحدث, مس المصحف المسألة فيها خلاف أكثر من الأول, فعامة العلماء يقولون ما يمسه إلا على طهارة, أكثر العلماء على ذلك, لحديث: «لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر», وقوله عز وجل: {إلَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩], أما الآية فهي في سياق الملائكة, {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٧ – ٧٩], أي الملائكة. وأما الحديث فهو صريحٌ في المسالة ولكن يُحمل الأمر على الاستحباب لحديث ابن عباس عند أبي داود أن النبي ح قال: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت للصلاة » وأصله في مسلم, فحصر وجوب الوضوء إذا قمت للصلاة, فالذي يظهر أن الأمر للاستحباب, فلو مسه وهو على حدث فيجوز, ولكن يستحب له أن لا يمسه إلا على طهارة, وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتحرون أن لا يمسه إلا على طهارة, ثبت عن ابن عمر وعن سلمان الفارسي وعن سعد بن أبي وقاص أنهم تحروا أن يمسوا المصحف إلا على الطهارة رضي الله عنهم.
سؤال: هل ينتقض الوضوء إذا نويت به إلى فترة معيّنة؟
الجواب: لا ما ينتقض, رجلٌ نوى أن يتوضأ بعد الشروق إلى الساعة العاشرة فتأتي الساعة العاشرة هل ينتقض وضوؤه من غير حدث؟ هذا ليس لك، هذه من الأحكام الوضعية التي أخذناها في أصول الفقه, وضع الشرع بعد وضوئك أنك على طهارة يبقى وضوؤك صحيحا على الصحة حتى ينتقض بحكم شرعي, هذه من الأحكام الوضعية, ما لك أن تغيره, تقول بعد الساعة العاشرة, تقول فاسد, أو تحدده من قبل نفسك .
سؤال: هل يجوز مس المصحف, والقراءة منه للمحدث والحائض والجنب, نرجوا التفصيل في هذه المسألة؟
الجواب: هذه المسألة يتكرر السؤال عنها والمسألة على جزأين:
الجزء الاول: ما يتعلق بالقراءة وذكر الله.
والجزء الثاني: ما يتعلق بمس المصحف .
أما الجزء الاول: وهو ما يتعلق بالقراءة والذكر, فلا شك أنه يجوز للمسلم, أن يذكر الله عز وجل حتى في حال حدثه, وفي حال الحدث الأكبر والأصغر, وكذلك يجوز للمرأة أن تذكر الله في حال الحدث الأكبر والأصغر, وكذلك قراءة القرآن أيضًا هذا أمرٌ واضح لا يحرم الإنسان نفسه من ذكر الله, حتى وإن كان على حدث, وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم: «يذكر الله على كل أحيانه», قال الله عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ } الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: ١٩٠ – ١٩١], «وقام النبي صلى الله عليه وسلم من نومه فقرأ العشر الآيات من آخر سورة آل عمران ثم توضأ صلى الله عليه وسلم », وكذلك علم الناس دعاء الاستيقاظ, ومن ضمن ذلك الذكر الذي ورد في حديث عبادة بن الصامت في صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, ولا حول ولا قوة إلا بالله, ثم دعا استجيب له, أو قال اللهم اغفر لي غفر الله له, وإن دعا استجيب له, وإن قام وصلى قُبلت صلاته», فهذا ذكر حتى مع أن الإنسان بعد نومه يكون على حدث, وربما يكون على جنابة, وعلى هذا أكثر أهل العلم على مشروعية الذكر, وعلى مشروعية تلاوة القرآن للمحدث, وإن كان حدثًا أكبر .
وأما قول علي رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن مالم يكن جنبا», هذا الحديث ضعيفو أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث ضعيف, أنكر على عبد الله بن سلمة المرادي, وحديث أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أما الجنب فلا يقرأ ولا آية», وهو حديث أيضًا ضعيف, فلم يثبت حديث في النهي عن تلاوة القرآن للمحدث أو الجنب, وأكثر أهل العلم على مشروعية ذلك, ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: لعائشة رضي الله عنها في حجة الوداع: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي في البيت حتى تطهري», فهذا أيضًا فيه حث على تلاوة القرآن, وعلى ذكر الله عز وجل.
الجزء الثاني في المسألة: مس المصحف للمحدث والحائض والجنب, والخلاف فيه أشد أو أكثر, فأكثر أهل العلم منعوا المحدث حدثًا أصغر أو أكبر, منعوه من مس المصحف, واستدلوا بقوله عز وجل: {لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩], وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يمس القرآن إلا طاهر», فمنعوا من مس المصحف, قالوا وقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يمس المصحف إلا على طهارة, وكذلك جاء عن سلمان الفارسي وعن سعد بن أبي وقاص أنهم تحروا أن لا يمسوا المصحف إلا على طهارة رضي الله عنهم.
القول الثاني في المسألة: قال به ابن سيرين رحمه الله, وبعض التابعين, وقال به الظاهرية, والشوكاني رحمه الله, وآخرون, واختاره شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله, وغيره من أهل العلم, أنه لا يشترط ويجوز للمسلم أن يمس المصحف, ولو لم يكن على طهارة, واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن المسلم لا ينجس»، فلماذا لا يأخذه وهو طاهر, وأما الآية قالوا المراد بها الملائكة, لأن الآية في سياق ذكر الملائكة قال الله عز وجل: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٧ – ٧٩], أي اللوح المحفوظ {لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} يعني به الملائكة, كقوله عز وجل: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ } مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ } بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١٣ – ١٦], فالمراد بقوله عز وجل: {لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} أي الملائكة, وأما حديث: «لا يمس القرآن إلا طاهر», فهو محمول على الاستحباب, لا على الوجوب, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت للصلاة» أخرجه أبو داود بإسنادٍ صحيح عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه وأصله في مسلم، فقالوا الأمر بالوضوء وبالطهارة محمول على الاستحباب, لا على الوجوب, وهذا القول أقرب أنه يشرع مس المصحف على غير طهارة, والأفضل أن يكون على طهارة, ويتأكد استحباب الطهارة على المحدث حدثًا أصغر, وعلى المجنب, أما الحائض والنفساء فليس في يديهما أن يرفعا عن أنفسهما هذا الحدث, حتى يقضِي الله برفعه, ومن المشقة أن تبقى المرأة الحائض أو النفساء لا تراجع القرآن, وربما طال عليها نفاسها إلى أربعين يومًا وهي ممنوعة من مس المصحف لا تستطيع أن تراجع القرآن ولذلك تَكلف بعض أهل العلم فقالوا تمسه من وراء حائل, فتقلب الصفحات بعود, أو بغير ذلك, وهذا فيه ما فيه لم يُنقل أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك.
وعلى كلٍ الأقرب أن مس المصحف للمحدث حدثًا أكبر أو أصغر لا يصل إلى حد التحريم, ولكن يُقال يتأكد استحباب الطهارة في حق المحدث حدثًا أصغر وفي حق الجنب, فيستحب لهم استحبابًا مؤكدا أن يتطهروا والله المستعان .
وأما الحائض والنفساء, فلها أن تمسه ولو كانت على حدثها, ثم أيضًا قد يوافق في بعض الأوقات أن القرآن يسقط إلى الأرض فيحتاج إلى أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي يرفعه من الأرض, ففيه تكلف, فليرفع المصحف عن الأرض, وفيه أيضًا مشقة في أيام البرد يشق عليه أن يذهب ويتوضأ, ثم يعود ثم قد يُصاب بالحدث فيذهب ويتوضأ مرة أخرى, بقي قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يمس القرآن إلا طاهر», كما تقدم محمول على الاستحباب وأما الشوكاني رحمه الله فحمله على أنه قصد بالطاهر المؤمن وأما المشرك فنجس وهذا توجيه طيب لكن ألفاظ الحديث لا تُساعد عليه, لأنه جاء في بعض ألفاظ الحديث: «لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر», خطاب وفي بعض طرق الحديث: « لا تمس القرآن إلا على طهرٍ», وإلا كان التوجيه طيبًا, لأن الله عز وجل يقول في المشركين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة: ٢٨], «والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض الكفار مخافة أن يناله العدو», أي يهينون المصحف وينالون منه, ولكن الأفضل في توجيه الحديث: «لا يمس القرآن إلا طاهر», أي على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب, جمعًا بين الأدلة و الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم, أنهم تحروا أن يمسوه على طهارة, ليس فيه أنهم منعوا, أو أنهم حرموا أن يُمس على غير طهارة, وإنما فيه التحري, وهذا أمر نحن لا نخالف فيه, أنه ينبغي التحري وأن الأفضل أن لا تقرأ إلا وأنت على طهارة, وأن لا تمس المصحف إلا وأنت على طهارة, فهذا هو الأفضل, ولا خلاف في ذلك, ولكن الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم, ليس فيها التنصيص على التحريم, فالصحيح أن الأمر على سبيل الاستحباب, وليس على سبيل الوجوب.