صفة الحج والعمرة

أولاً: صفة العمرة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم أما بعد:

فقبل الشروع أخي المسلم في (صفة العمرة)، أذكر لك فضيلة العمرة.

فضيلة العمرة: ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ»، وفيهما عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عمرة في رَمَضَانَ تعدل حَجَّةٌ».

وثبت عند بعض أصحاب السنن والمسانيد من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وابن عباس رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ».

صفة العمرة:

1)             يخرج المسلم من بلده متوجهًا إلى بيت الله الحرام، قاصدًا أداء العمرة، تعبدًا لله عز وجل.

2)             يأتي المعتمر على الميقات الذي وقته النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بلده وهي: (ذو الحليفة) للمدينة، ومن جاء من قِبَلِها، و(الجحفة) لأهل الشام ومن جاء من قِبَلِها، و(يلملم) لأهل اليمن ومن جاء من قِبَلِهم ، و(قرن المنازل) لأهل نجد ومن جاء من قِبَلِهم، و(ذات عِرْق) لأهل العراق ومن جاء من قِبَلِهم ، ومن كان من غير أهل هذه البلدان المذكورة، وطريقه ليس على هذه المواقيت، ويشق عليه أن يميل إلى أحد هذه المواقيت؛ فإنه يحرم عند أن يحاذي أقرب ميقات إليه.

3)             ومن كان ساكنًا دون المواقيت إلى مكة فإنه يحرم للعمرة، من مكان إقامته، وأما أهل الحرم فالصحيح أنهم إذا أرادوا العمرة فإنهم يحرمون من خارج الحرم، وكذلك من كان مقيمًا في الحرم، كما جاء بيان ذلك في حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما في الصحيحين.

4)             إذا أتى المعتمر على ميقاته؛ فإنه يتجرد من ثيابه، ويغتسل للإحرام، وهذا الغسل مستحب، وليس بواجب، ثم يلبس المعتمر إزارًا ورداءً، ويجب عليه أن يتجنب جميع الألبسة التي فصلت على قدر عضوٍ معينٍ، وهو ما يسميه الفقهاء بــــ(المخيط)، فلا يلبس العمامة ولا السراويل ولا البرنس ولا القميص ولا الجبة وغير ذلك من الألبسة المُفَصَّلَةِ على الجسم كاملًا، أو على عضو من أعضاء الجسم، ولا يلبس الخفين ولا ما يستر الكعبين.

5)            وأما المرأة المحرمة؛ فإنها تلبس جميع الثياب، ولا يمتنع عليها إلا القفازات، وما يشد على الوجه، كالبرقع والنقاب، وعليها أن تستر وجهها بإسدال الثوب من رأسها على وجهها، ولا بأس عليها إذا مس وجهها، ولكن لا تشده عليه.

6)            والأفضل أن يكون التجرد من الثياب، والاغتسال في الميقات، ومن احتاج إلى فعل ذلك من بلده فيجوز له، كما تحصل الحاجة للذين يسافرون على الطائرة، فإن له أن يغتسل ويلبس ثياب الإحرام، ثم إذا حاذت الطائرة الميقات أهل بالعمرة.

7)            للمحرم أن يتطيب في رأسه ووجهه قبل أن يحرم، وليحذر أن يمس الطيب ثياب الإحرام، فإذا أحرم بالعمرة أو الحج، فلا يجوز له بعد ذلك التطيب لا في بدنه، ولا في ثيابه حتى يحل، ولا يجوز للمحرم حلق رأسه، أو التقصير في حال إحرامه، ويجوز له أن يحك رأسه، ولو سقط بعض الشعر بذلك.

8)            يستحب للمعتمر أن يهل بالعمرة، ويحرم عقب صلاة، فإذا وافق وقت صلاة فريضة، أو نافلة كالضحى، أو ركعتي الوضوء أحرم بعد ذلك، وليس للإحرام صلاة تخصه.

9)            يستحب للمعتمر أن يحرم بعد ركوبه على راحلته، مستقبلًا بها القبلة، وبعد أن يقول: " الحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر" كما جاء ذلك في البخاري عن ابن عمر وأنس رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

10)     بعد ذلك يحرم المعتمر مهلًا بالعمرة، قائلًا: "لبيك اللهم بعمرة"، ولا يقول قبل ذلك نويت الاعتمار، أو نحو ذلك، فإن النية محلها القلب، ولا يجوز التلفظ بها؛ فإن ذلك من المحدثات.

11)     ثم يستمر المعتمر بالتلبية: وهي (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ، ويرفع بها صوته، والمرأة لا ترفع صوتها بالتلبية، ويستمر في تلبيته حتى يشرع في الطواف، ولا تشرع التلبية الجماعية بصوت واحد.

12)     فإذا وصل المعتمر إلى مكة يستحب له أن يبدأ بالعمرة، ويبادر بها، فيتوجه إلى المسجد الحرام، متجها نحو الكعبة حرسها الله عز وجل، حتى يأتي الحجر الأسود فيقبله إن استطاع، أو يستلمه بيده أو بالعصا ثم يقبل يده أو العصا، أو يحاذيه ويشير إليه بيده ويكبر، ثم يطوف حول الكعبة ويجعل الكعبة عن يساره مبتدئًا من الحجر الأسود، حتى ينتهي إليه، يفعل ذلك سبعة أشواط، وإن استطاع أن يقبل الحجر الأسود في جميع أشواطه فعل، فإن لم يستطع فيستلمه بيده، وإن لم يستطع فيستلمه بالعصا، ثم يقبل العصا، فإن لم يستطع، فيشير إليه ويكبر، وأما الركن اليماني فليس فيه تقبيل، ولا إشارة، ولا استلام فيه إلا باليد، وأما الركنان الشاميان فلا يصنع فيهما شيئًا من ذلك.

13)     ويستحب للمعتمر إذا كان رجلًا أن يرمل، والرمل: هو الإسراع مع مقاربة الخُطا في الأشواط الثلاثة الأولى، ويمشي في الأربعة الباقية، وأما المرأة فلا يستحب لها الرمل، وعلى الطائف أن يكثر من الذكر والدعاء، وليس في الطواف ذكر مخصوص ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب على الطائف أن يكون على طهارة.

14)     ويستحب للرجل الاضطباع في الطواف بالبيت فقط، وأما قبل ذلك وبعده، فلا يشرع له ذلك، والاضطباع هو أن يجعل وسط رداءه تحت إبطه الأيمن، ويرد طرفيه على كتفه الأيسر، ويبقى كتفه الأيمن مكشوفًا.

15)     يجب أن يكون الطواف من خلف الحِجْر، لأن الحِجْر من البيت، وإذا شك الطائف في عدد الأشواط بنى على اليقين، وهو الأقل، مع الحذر من دخول باب الوسواس، ويصح الطواف في جميع المسجد، وكلما دنا من البيت كان أفضل.

16)     فإذا فرغ من أشواطه السبعة، صلى ركعتي الطواف، ويستحب أن يصليها خلف مقام إبراهيم، ولو على بعد، وتجزئ في جميع المسجد الحرام، ويستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثانية: بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ولا يجوز المرور بين يدي المصلي، ولو كان في الحرم؛ إلا لضرورة.

17)     فإذا فرغ من الصلاة يرجع إلى الركن الأسود فيستلمه، ثم يذهب إلى جبل الصفا، حتى إذا دنا من الجبل قرأ:{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله}، ويقول: نبدأ بما بدأ الله به، ثم يصعد على الصفا حتى إذا رأى البيت استقبله، ثم يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما شاء، يفعل ذلك ثلاثا، ثم ينزل متوجها إلى جبل المروة، حتى ينتهي إليه، ويصعد عليه، ويفعل على المروة كما فعل على الصفا، ويمشي في طوافه مشيًا، إلا في الوادي، وهو ما بين العَلَمَينِ الأَخْضَرينِ، فَيسعَى هنالك سعيًا، وأما المرأة فإنها تمشي كذلك، وليس في السعي ذكر مخصوص، فيذكر الله أثناء طوافه، ويدعو بما شاء.

18)     ثم يرجع إلى الصفا يمشي في المكان الذي مشى فيه، ويسعى في المكان الذي سعى فيه، ويعتبر ذهابه إلى المروة شوطا، ورجوعه شوطا آخر، حتى يتم له سبعة أشواط، آخرها على المروة، ولا يشترط في سعيه بين الصفا والمروة، أن يكون على طهارة.

19)     إذا احتاج الطائف بالبيت، أو بين الصفا والمروة، أن يستريح، فيجوز له ذلك، ثم يواصل من المكان الذي انقطع منه، وكذلك إذا احتاج إلى استراحة قبل الطواف بين الصفا والمروة، فيجوز له ذلك.

20)     فإذا فرغ من الشوط السابع بين الصفا والمروة، تحلل بالحلق، أو التقصير، والحلق أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا للمحلقين بالمغفرة والرحمة ثلاثًا، وللمقصرين مرة، وأما المرأة فلا يجوز لها الحلق، وإنما تقصر شيئًا يسيرًا من طرف شعرها، وبذلك يكون قد أتم المعتمر عمرته.  

أركان العمرة:

1)             الإحرام بها.

2)             والطواف بالبيت سبعة أشواط على طهارة.

3)             والطواف بين الصفا والمروة سبعة أطواف، ثم يجب عليه أن يتحلل بالحلق، أو التقصير.

تنبيهات:

1)             يجوز في الطواف أن يكون في الدور الثاني، أو الثالث، لأن الهواء تابع للقرار.

2)             يجوز أن يكون راكبًا، والمشي والسعي أفضل.

3)             إذا أقيمت الصلاة والمعتمر في طوافه، فإنه يصلي مع الناس، ثم يتم شوطه من المكان الذي انقطع منه، أو يعيد الشوط إذا لم يتبين له المكان.

4)             لا يجوز الإكثار من العمرة في اليوم الواحد، أو الأيام المتوالية، بدون سفر يفصل بينها، فإنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، ولكن لا بأس إذا كرر الإنسان عمرة أخرى بعد سفر له، أو بعد فترة زمنية يتراجع فيها شعره، لو كان قد حلقه كما قال بذلك بعض أهل العلم.

5)             العمرة والحج يبطلان بالجماع، وبالردة إن مات عليها، وبترك ركن من أركانهما بحيث لا يمكن تداركه.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

ثانيًا: صفة الحج

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد يسَّر الله لي بفضله ومنته أن نشرت رسالة صغيرة في صفة العمرة، وقد نفع الله بها، وله الحمد والشكر سبحانه وتعالى.

ودونك أخي المسلم في هذه الرسالة الصغيرة صفة الحج أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياك بها، [ولا تتم الاستفادة من هذه الرسالة؛ إلا بجمعها مع سابقتها: صفة العمرة].

وقبل الشروع في صفة الحج نذكر لك أنساك الحج الثلاثة وهي (التمتع) و (القِرَان) و (الإفراد):

أولاً: التمتع بالحج، ومعناه: أنّ الحاج يبدأ بأداء عمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، ناوياً بها عمرة التمتع، فإذا فرغ من أعمال العمرة أحلَّ وفعل ما يفعل الحلال حتى إذا كان وقت الحج من عامه ذلك أهلَّ بالحج، وعليه الهدي إذا فرغ من الحج لقوله تعالى ﴿ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وهذا النوع من النسك هو أفضل الأنواع الثلاثة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه به، وتمنى عليه الصلاة والسلام أنه تمتع بالعمرة إلى الحج لولا أنه عليه الصلاة والسلام كان قد أهلَّ بالحج قارناً وساق معه الهدي، ومن ساق معه الهدي لم يجز له أن يفسـخ الحج إلى عمرة، فقد قال عليه الصـلاة والسلام « وَلَوْ أَنِّى اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِى الْهَدْىَ لأَحْلَلْتُ » وفي رواية « وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً ».

الثاني: القِرَان، وهو أن يهل الحاج بالعمرة والحج جميعاً من الميقات في أشهر الحج، فتدخل أعمال العمرة في أعمال الحج، فيكفي لهما طواف واحد وسعي واحد، ويبقى على إحرامه حتى يحل منهما جميعاً يوم النحر، وأوجب عليه جماعة من أهل العلم الهدي أيضًا؛ لأنه يطلق عليه متمتع في اللغة، واستحبه بعضهم، وهو الأقرب، والله أعلم.

الثالث: الإفراد، وهو أن يهل الحاج بالحج مُفْرَداً من الميقات في أشهر الحج ثم لا يحل حتى ينتهي من أعمال الحج، وليس عليه هدي.

ولا ينبغي للحاج أن يحج مفرداً لأنَّ الأجر في ذلك أقل مما قبله، إلا أن يضيق عليه الوقت فله ذلك.

صفـــة الحـج

1) من كان متمتعًا في الحج، فإنه يهل بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة وهو المسمى (يوم التروية) ويستحب له قبل الإحرام من الغسل والتطيب ما ذكرناه لك في (صفة العمرة) ويتجرد من ثيابه ويجتنب محظورات الإحرام كما تقدم بيانه هنالك، ومن أهل بالحج قبل يوم التروية أجزأه ذلك وخالف الأفضل والسنة.

2) ويكون ميقات المتمتع هو ميقات المكان الذي أقام فيه بعد عمرته فإن أقام بمكة أهلَّ من مكة، وإن أقام بالمدينة أهل من ذي الحليفة... وهكذا بقية البلدان، وإن احتاج إلى تقديم الإحرام قبل يوم التروية لبعده عن مكة فله ذلك ويحرم من الميقات.

3) وأما القارن والمفرد فإنهما يحرمان بالحج من بداية وصولهما الميقات فالمفرد يقول (لبيك اللهم بحج)، والقارن يقول (لبيك اللهم بحج وعمرة) فهما قائمان على إحرامهما ولا يحلان حتى تنتهي أعمال الحج.

تنبيه: طواف القدوم بالنسبة للمفرد والقارن يعتبر مستحباً، وأما المتمتع فإنه ركن من أركان عمرته وإذا سعى المفرد أو القارن بين الصفا والمروة عقب طواف القدوم فإنه يجزئه عن سعي الحج ولا يلزمه سعي آخر بعد طواف الإفاضة يوم النحر، وأما المتمتع فعليه سعي بعد طواف العمرة للعمرة، وعليه سعي بعد طواف الإفاضة للحج على الصحيح من قولي العلماء.

4) في اليوم الثامن من ذي الحجة يتوجه الحاجّ إلى منى ويستحب له أن يصلي الظهر فيها، ثم يقيم فيها ويصلي فيها العصر والمغرب والعشاء والفجر من اليوم التاسع، وهذه الإقامة بمنى من سنن الحج ومستحباته، ومن تركها فقد ترك سنة وحجه صحيح.

5) ثم يستحب للحاجّ أن يتوجه إلى عرفة بعد طلوع الشمس من اليوم التاسع ويلبي بالتلبية المعروفة، وإن شاء كَبَّر فقد قال أنس رضي الله عنه كما في الصحيحين « كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ ، وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ » ولا يجوز تحري التلبية جماعياً بصوت واحد فإنَّ ذلك من المحدثات ويدل عليه حديث أنس المتقدم.

6) يستحب للحاجّ أن يصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً في مسجد نمرة بعد أن يسمع خطبة الإمام فيه، ثم ينصرف إلى الوقوف بعرفة، وإذا لم يتيسر له الصلاة في المسجد فليصل بعرفة ولا شيء عليه، ولا يشترط في الصلاة أن تكون مع الإمام.

7) الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، فلا يجوز للحاج تفويت الوقوف بعرفة، ويسقط الركن بالوقوف بعرفة ولو وقتاً يسيراً لحديث عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ - يعني بمزدلفة - وَأَتَى عَرَفَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ » أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما.

8) يبدأ وقت الوقوف من بعد الزوال إلى طلوع الفجر من يوم النحر لحديث عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَعْمَرَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الْحَجُّ عَرَفَةُ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِن لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» أخرجه الترمذي وغيره.

9) يستمر الحاج في وقوفه بعرفة إلى أن تغرب الشمس، يكثر في ذلك من الدعاء والذكر ومن أفضل ما يقال هنالك «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» ويستحب أن يكون الوقوف عند الصخرات عند أسفل جبل الرحمة إن تيسر ذلك، لأنه موقف النبي صلى الله عليه وسلم، ويجزئ الوقوف في جميع عرفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «وَقَفْتُ هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، ولا يشرع التعبد بالصعود على جبل الرحمة وتحري ذلك فإنَّ التعبد بصعوده واعتقاد فضيلة ذلك من البدع، وليحذر الحاجّ أن يبقى بوادي عرنة ولا يدخل عرفة فإن الوادي ليس من عرفة.

10) إذا غربت الشمس توجه الحاجّ دافعاً إلى مزدلفة بسكينة وهدوء ولا يزاحم الناس فإذا وجد خلوة أسرع، ويؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يأتي المزدلفة فيصليهما فيها جمع تأخير فإن خشي أن يتأخر إلى بعد نصف الليل صلَّى في الطريق أو في عرفة ثم يمكث تلك الليلة بمزدلفة حتى يصبح ويصلي الفجر مع الإمام إن تيسر أو بجماعة أخرى ثم يمكث في مزدلفة يذكر الله تعالى ويستحب له أن يحمد الله ويكبره ويهلله ويوحده ويدعوه، ولا يزال كذلك حتى يشتد الضوء، ثم يدفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس متوجهاً إلى منى لرمي جمرة العقبة.

11) هذا المبيت بمزدلفة والوقوف فيها والصلاة فيها هو المراد بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة:198] وهو من واجبات الحج، إلا أن الضعفاء من الشيوخ والنساء والصبيان ومن قام عليهم يجوز لهم الدفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر في الثلث الأخير من الليل حتى يسلموا من حطمة الناس وازدحامهم كما جاء ذلك في الأحاديث، ولهم أن يرموا الجمرة حين يصلوا إلى منى، ولو كان قبل طلوع الفجر، ولا يشترط انتظار طلوع الشمس.

12) مزدلفة كلها موقف فحيثما وقف الإنسان أجزأه لحديث جابر في صحيح مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : «وَقَفْتُ هَا هُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» وجَمْع: هي المزدلفة.

13) ينطلق الحاجّ متوجهاً إلى منى لرمي جمرة العقبة وهو يلبي، ولا يقطع التلبية حتى يشرع في الرمي، فإذا أتى (بطن محسر) وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى أسرع السير ثم يأخذ الطريق الوسطى التي تخرجه على الجمرة الكبرى جمرة العقبة، وليس هناك موضع مخصوص للقط الحصى، بل يلقط الحاج الحصى من حيث تيسر له.

14) إذا وصل إلى جمرة العقبة رماها بسبع حصيات صغيرة مثل حصى الخذف، ولا يجزئه الرمي بالأحجار الكبيرة أو بالنعال والجلود وغيرها، لأن هذه عبادة توقيفية، ويكبر مع كل حصاة يرميها، والوقت المختار لهذا الرمي هو الضحى وإذا تأخر إلى بعد الزوال أو إلى الليل أجزأه وخالف الأفضل.

15) إذا وقعت الحصا خارج الحوض فإنه يعيد أخرى بدلها، وإذا شك الحاجّ في عدد ما رمى بنى على الأقل وزاد حصاة فإذا شك هل رمى بخمس أو بست جعلها خمساً وهكذا.

16) رمي جمرة العقبة من واجبات الحج وينتهي وقت رميها بطلوع الفجر من اليوم الثاني. وتأخيرها إلى الليل بدون حاجة مكروه عند أهل العلم.

17) ثم ينحر المتمتع هديه، وكذلك المفرد والقارن إذا أحبا أن يهديا، ثم يحلقون وبذلك يكون قد حل للحاج اللباس والطيب وكل شيء إلا النساء فلا يحللن لهم؛ حتى يذهبوا إلى مكة، ويطوفوا بالبيت طواف الإفاضة.

18) إذا قدَّم الحاج الذبح على الرمي أو الحلق أو أخر بعضه على بعض أجزأه والسنة أن يكون الترتيب على ما ذكرنا الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الطواف، وإذا لم يتمكن الحاج من الذبح بنفسه وَكَّل غيره في ذلك كما هو الشأن في هذه الأيام.

19) إذا لم يستطع المتمتع أن يهدي فعليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

أحدث الدروس العلمية