بحث يتعلق بحديث القنوت حديث الحسن بن علي

بحث يتعلق بحديث القنوت حديث الحسن بن علي

عن الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت " رواه أحمد وأصحاب السنن.

صحيح دون قوله: «في قنوت الوتر»:

الحديث مدار طرقه على بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما به.

وهو حديث صحيح، رجاله ثقات، إلا أنه اختلف على بريد في زيادة: «في قنوت الوتر».

فقد روى الحديث بدون تقييد: «في قنوت الوتر»:

1-          شعبة بن الحجاج. عند الطيالسي عنه (1275)، ومن طريقه أخرجه البزار (1336). وعند أحمد (1723)، من طريق يحيى بن سعيد القطان عنه. وعند أحمد (1727)، وابن خزيمة (1096)، وابن حبان (945)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (416) من رواية محمد بن جعفر عنه. وعند أبي يعلى (6762) من رواية عبد الملك بن عمرو عنه، وعند أبي طاهر السلفي في الطيوريات (544)، واللالكائي (1175) من رواية عبد الله بن إدريس عنه. وعند الدولابي في الذرية الطاهرة (134) من رواية حجاج بن محمد المصيصي عنه.

2-          الحسن بن عبيد الله النخعي، وهو ثقة؛ فقد رواه عن بريد بن أبي مريم بإسناده بلفظ: «وعقلت عنه الصلوات الخمس، وكلمات أقولهن عند انقضائهن»: أخرجه الطوسي في مختصر الأحكام (443)، وابن الأعرابي في معجمه (2344)، والطبراني في الكبير (2708)، والدولابي في الذرية الطاهرة (135)، وأبو نعيم في الحلية (8/264) من طرق عن أبي صالح محبوب بن موسى الفراء، عن أبي إسحاق الفزاري، عن الحسن بن عبيد الله، عن بريد به. وزاد الطوسي وابن الأعرابي والدولابي في روايتهم: قال بريد: فدخلت على محمد بن علي الشِّعب، فحدثته بهذا الحديث، عن أبي الحوراء، عن الحسن، فقال: صدق، هن كلمات عُلِّمْناهن أن نقولهن في القنوت.

3-          العلاء بن صالح التيمي في رواية، وهو حسن الحديث. وروايته عند البيهقي في الكبرى (2/297)، وفي الدعوات (431)، وفي الصغرى (435)، بإسنادٍ صحيحٍ إليه، وعنده زيادة: قال بريد قال: فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية فقال: إنه الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته "

وروى الحديث مقيدًا بقنوت الوتر:

1-          أبو إسحاق السبيعي، وقد رواه بالعنعنة، ولم يصرح بالسماع في جميع الطرق، وروايته عند الدارمي (1634)، وأبي داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي في المجتبى (3/248)، وفي الكبرى (1446)، وأبي يعلى (6786)، وابن خزيمة (1095)، وابن الجارود (273) وغيرهم

2- يونس بن أبي إسحاق، وهو حسن الحديث، وقد يهم. وروايته عند أحمد (1718)، وابن خزيمة (1095)، وابن الجارود (272)، وابن نصر المروزي في كتابه مختصر قيام الليل (ص321)، وغيرهم.

3- الحسن بن عمارة، وهو متروك، وروايته عند عبد الرزاق (3/117)، والطبراني (2711).

4- العلاء بن صالح في رواية كما في الدعاء للطبراني (748).

5- شعبة في رواية عمرو بن مرزوق عنه، عند الطبراني في الكبير (2707)، وفي الدعاء (744) وقد شذ عمرو بن مرزوق؛ فقد رواه الحفاظ من أصحاب شعبة عنه كما تقدم بدون ذكر القنوت.

6- الحسن بن عبيد الله النخعي في رواية كما في الدعاء للطبراني (745) بلفظ: عند انقضاء الوتر. وهي رواية مرجوحة؛ لأن شيخ الطبراني فيه ضعف، والراجح عنه من رواية الثقات عدم ذكرها كما تقدم.

قال ابن خزيمة في صحيحه (2/152-153)، وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق لا يُعْلَم: أسمع هذا الخبر من بريد، أو دلسه عنه؟ اللهم إلا أن يكون كما قال بعض علمائنا: إن كل ما رواه يونس عمن روى عنه أبوه أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه.

قال: «ولو ثبت الخبر عن النبي أنه أمر بالقنوت في الوتر، أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفة النبي ، ولست أعلمه ثابتًا».

وقال ابن حبان – كما في "إتحاف المهرة" (4/295)-: «لم يقل شعبة في حديثه: «قنوت الوتر». وهو أحفظ من مائتين مثل أبي إسحاق، وابنه، فليست هذه اللفظة محفوظة؛ لأن المصطفى قبض والحسن بن علي ابن ثمان سنين، فكيف يعلمه المصطفى قنوت الوتر، ولا يعلمه لهؤلاء الصحابة المهاجرين؟».اﻫ

 

مسألة: حكم القنوت في صلاة الوتر.

في هذه المسألة أقوال:

الأول: أنه يقنت في الوتر في السنة كلها، رُوي هذا القول عن ابن مسعود، أخرجه الطبراني (9165) بإسناد صحيح، وقال به الحسن، والنخعي، وهو مذهب إسحاق، وأبي ثور، وأحمد في رواية، وهو المشهور عند الحنابلة.

واستدلوا بحديث الحسن بن علي الذي في الباب، وبحديث علي رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يقول في آخر وتره: «اللهم، إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، أخرجه أبو داود (1427)، وهو في الصحيح المسند لشيخنا برقم (957).

الثاني: أنه يقنت في النصف الثاني من رمضان، وهذا صحَّ عن ابن عمر، فقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر بإسناد صحيح عن نافع، قال: كان ابن عمر لا يقنت إلا في النصف. يعني من رمضان.

وجاء هذا القول عندهما عن علي بن أبي طالب، وفي إسناده: الحارث الأعور، وأخرجه ابن خزيمة (1100)، عن أبي بن كعب بحضرة عمر بإسناد صحيح.

وهذا قول جماعة من أهل العلم، منهم: ابن سيرين، والزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد في رواية.

الثالث: أنه لا يقنت في الوتر مطلقًا، وهو قول طاوس، وحكاه ابن وهب عن الإمام مالك، وأخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان لا يقنت في الفجر، ولا في الوتر، فكان إذا سئل عن القنوت؟ قال: ما نعلم القنوت؛ إلا طول القيام، وقراءة القرآن.

قال أبو عبد الله سدده الله: الذي نختاره عدم القنوت؛ لأنَّ حديث الحسن لم تثبت فيه زيادة: «في قنوت الوتر»؛ ولأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم القنوت في الوتر مع مداومته صلى الله عليه وسلم لقيام الليل، وحديث علي يُحمل على ظاهره، بأنَّ هذا الدعاء يقال قبل التسليم.

وقد بوب عليه ابن أبي شيبة في مصنفه، فقال: [باب ما يقول الرجل في آخر وتره]. ومن قنت في الوتر كما فعل بعض الصحابة فلا بأس بذلك، والله أعلم.

وانظر:  الأوسط  (5/205-)،  المصنف  لابن أبي شيبة (2/305 306)،  المغني  (2/580)،  المجموع  (4/24).

تنبيه: لم يثبت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر، جزمَ بذلك الإمام أحمد، وابن خزيمة، وابن المنذر، والبيهقي، وغيرهم، وهذا يدل على عدم القنوت في الوتر كما رجَّحناه، والله أعلم. انظر:  التلخيص  (2/18).

مسألة [2]: هل في دعاء القنوت دعاء مؤقت مخصوص.

نَصَّ كثير من أهل العلم أنه ليس في دعاء القنوت دعاء مؤقت، وهو قول أصحاب المذاهب الأربعة.

وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في مصنف ابن أبي شيبة (2/300) أنه قال في قنوت الوتر: لك الحمد ملء السماوات السبع، وملء الأرضين السبع، وملء ما بينهما من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، حق ما قال العبد، كلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.

قال أبو عبد الله: ولم أجد أحدًا من أهل العلم القائلين بمشروعية القنوت، يرون فيه دعاء مؤقتًا، لا يتجاوز فيه، وعليه فمن دعا بغير حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما فلا بأس عليه في ذلك، والله أعلم، ولكن ليس من السنة الإطالة في هذا الدعاء، وليس من السنة ترتيله كما يرتل القرآن، فضلًا عن تمطيط الدعاء والتغني فيه، وبالله التوفيق.

 

وانظر:  المغني  (2/584)،  شرح مسلم  (5/176)،  الموسوعة الكويتية  (34/59-62)،  البحر الرائق  (1/318، و2/45)،  المبسوط  (1/301)، المدونة  (1/192)،  حاشية ابن عابدين  (2/6)،  الحاوي  (2/153).